تقاريرفلسطين

الإرهاب الصهيوني.. المصادر والأساليب والتنظيمات (2)

الإرهاب الصهيوني.. المصادر والأساليب والتنظيمات (2)

تحدثنا في الجزء الأول من هذه السلسلة حول

لقراءة الجزء الأول أضغط هنا

المصادر التي استمد  اليهود منها إرهابهم، ومن أهمها  التوراة المزعومة وبروتوكولات حكماء صهيون، ومؤلفات وخطب القادة السياسيين والدينيين، واستعرضنا  فقرات متعددة لكل هؤلاء حتى اعتقد اليهود بمشروعية الإرهاب لهم تجاه الآخرين، واعتقدوا أنهم شعب مقدس، وحتى بهائمهم مقدسة، لا يجري عليهم ما يجري على البشر الآخرين، ولا البهائم الأخرى من الأمراض والعقم، والمهمة الإلهية المقدسة لهؤلاء اليهود هي أكل الشعوب التي يدفعها الرب إلى هؤلاء اليهود.

لقراءة الجزء الأول

ثانيا: أساليب الإرهاب الصهيوني:

يعتمد الإرهاب الصهيوني على الكذب والتضليل والوهم، حتى جعل الكذب حقيقة، والضلال هدى، والوهم واقعا، وذلك على مستوى الوسائل الإعلامية المرئية منها والمسموعة والمقروءة.

ومن أهم تلك الوسائل التضليلية: تحويل مسار اللغة، بإخراج الكلمة من مجالها اللغوي – في شتى استعمالاتها – إلى المجال المعاكس أتم المعاكسة، كما في جعل كلمة (الاستيلاء على أرض الغير) استعمارا، وكما في جعل (مقاومة الغاصب) إرهابا، وكما في جعل (حرية الاختيار) عصيانا، وكما في جعل (إبادة الغير) تطهيرا… إلى غير ذلك من الألفاظ والتعبيرات، مع بذل أقصى الجهد الإعلامي والإعلاني لإشاعة ذلك وفرضه على الآخرين، وجعله هو الأصل التراثي الذي يجب أن يسود ذلك بالإلحاح الدائم لعرضه على الأسماع والعقول، حتى يستجيب القاصي قبل الداني، والمخاصم قبل الممالئ، فإذا الأساطير حقائق قائمة، وإذا الأوهام شخوص ماثلة.

ومن تلك الأساليب قلب سافر للحقائق، حيث كان الأولى أن يوجه الاتهام بالإرهاب والإبادة والتطهير العرقي لشارون وأعوانه، بقتل الأطفال والنساء، والمعاقين والمرضى، وهدم المنازل فوق رؤوسهم، بلا أدنى رحمة أو وخزة ضمير، هنا يصف بوش للعالم بأن شارون رجل سلام، ويحكم على الفلسطينيين بالإرهاب والتطرف.

ومن قلب الحقائق: أنه حين يقتل إسرائيلي تقوم الدنيا وتقعد، وعندما يذبح العشرات، بل المئات من الفلسطينيين في مذابح جماعية على مرأى من الدنيا كلها لا يتحركون؛ بل لا يكلفون أنفسهم كلمة إدانة؛ بل نرى إسكاتا دوليا وتكميما للأفواه والأقلام.

ومن قلب الحقائق: أن من صدع بالحق وجهر به وأسند الحق للفلسطينيين، كالمفكر “روجيه جارودي” – اتهم وحوكم بمعاداة السامية، بينما الإرهابي طليق في الحياة يعيث في الأرض فسادا ويلقى التأييد والعون.

ومن قلب الحقائق: أن من الهين عندهم أن تهدم جامعا لتقيم على أنقاضه معبدا، ومن الهين أن تدخل كلابا إلى كنيسة تحرم دخول الكلاب، ومن الهين أن تطلق النار على مصل في مسجد ليفر أهله ويغلق إلى الأبد، ومن الهين أن تسمي نبيا من أنبياء الله “هرطوقا” أو ابن زنا، لكن ليس من الهين أن يتنازل السالب عما سلب، ولا أن يرتد معتد عن الأرض التي اعتدى عليها[1].

قال تشومسكي: على الرغم من أن بعض الجماعات الوطنية ترفض أن تطلق على مقاومتها المشروعة وصف الإرهاب، نجد إسرائيل – وهي مصدر صناعة الإرهاب – تعد منظمة التحرير الفلسطينية جهة ملعونة داخل الولايات المتحدة، حتى إن القانون الخاص الذي أصدره الكونجرس 1987 لمقاومة الإرهاب: يحظر على المواطنين تلقي أية مساعدة أو تمويل، أو أي شيء ذي قيمة من منظمة التحرير الفلسطينية التي يحظر عليها إنشاء مكاتب أو منشآت أخرى تعزز مصالحها[2].

لقد دمرت إسرائيل أكثر من 450 قرية في فلسطين، ومع ذلك لم يستطع الغرب أن يطلق على تلك الأعمال إرهابا، وإن من البشاعة أن يعد مرتكب حادثة الحرم الإبراهيمي بطلا قوميا في إسرائيل، وتقام له التماثيل في حين يظل المقاوم الفلسطيني إرهابيا مخربا ومنتحرا.

ومن إرهاب الصهاينة: القضاء على حضارة روحية مضى عليها أكثر من ألف سنة، وعلى مقدسات دينية عزيزة على قلوب مئات الملايين، ويتم بقرار يتألف من أسطر، أما انصياع المعتدي لقرار تسع وتسعين دولة، فأمر لا يمكن أن يتم حتى ولو صدر عن العالم قاطبة.

ومن إرهابهم: عدم الانصياع للقرارات الدولية المتكررة لصالح القضية الفلسطينية، ويترك الصهيوني طليق اليد، بينما يعاقب الشعب الفلسطيني ويتهم ويشرد ويطرد.

بل العجب من عجز اليهود عن الانتقام لأنفسهم ممن آذوهم من النازيين واضطهدوهم، كروا على العرب الآمنين الذين آووهم من جوع وآمنوهم من خوف، يطبقون أسوأ ما تعلموا من ضروب الإرهاب والاضطهاد.

من أساليب الإرهاب الصهيوني:

تشريد وتهجير وقتل الرجال والنساء والأطفال: لقد تأسست إسرائيل وتوسعت من خلال مصادرة حقوق الفلسطينيين وانتزاع أراضيهم وطرد ملاكها الأصليين، ويمثل التطهير[3] العرقي الهدف البارز الذي سعت إليه الحركة الصهيونية بكل أحزابها.

وحيثما وجد اليهود في أي زمان ومكان عبر التاريخ كان نهجهم هو: الفساد، والتدمير، وصناعة الأزمات، وهدم الحكومات الحرة لإقامة حكومات عميلة، وإشاعة الانحلال، واجتثاث الحضارات، ومحو جذورها.. هذه هي إسرائيل[4].

لقد اعتمد إرهاب الصهاينة على الأكاذيب؛ حيث يذكر جارودي: أن محاولة طرد الفلسطينيين من أرضهم كانت إحدى ثمار فكرتهم العنصرية التي زعموا أن نجاحهم فيها مؤكد، فروجوا أن الفلسطينيين رحلوا طواعية، لكن محفوظات الوثائق التاريخية كشفت أن الفلسطينيين ما تركوا أرضهم إلا قهرا، بناء على الأوامر الموجهة للجنود الإسرائيليين، ولما أدركوا انكشاف هذه الأكذوبة لجؤوا إلى اختراع أكذوبة أخرى يبررون بها الاستيلاء على أرض فلسطين، فلجؤوا إلى ادعاء أن فلسطين (أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض)، حتى إن “جولدا مائير” صرحت في “الصنداي تايمز” 15/ 6/ 1969م قائلة: (لا وجود للشعب الفلسطيني نحن لم نسلبه أرضه ولا طردناه، هو أصلا غير موجود)، ولدعم هذه الأكذوبة وإثبات أن فلسطين كانت صحراء خالية من السكان، عمدوا إلى تجريف مئات القرى؛ بيوتها، وأسوارها، وقبورها.. وإن فكرة الشعب المختار تعد أكثر الأفكار دموية في التاريخ؛ لأنها بررت ما نسب إلى يسوع من قتل وإبادة للشعوب الأخرى؛ كي يمكن للإسرائيليين من الأرض[5].

إن الإرهاب هو صناعة إسرائيلية، فيه ظهرت وتأسست فغذته وربته حتى صدرته لمن يريد ولمن تريد هي، ثم توقعه في العقوبات الدولية، فهي التي ابتكرته، فأول من خطف طائرة مدنية هي إسرائيل، وهي التي أسقطت الطائرة الليبية في سيناء، وهي التي دمرت أكثر من 450 قرية في فلسطين، وخربت أكثر من مائة مسجد، وهي التي قامت بمذابح صابرا وشاتيلا، ومذبحة قانا، ومذبحة دير ياسين، حيث دام القتل في بعض المذابح أربعين ساعة متوالية، وقتل فيها أكثر من ثلاثة آلاف شخص، كما قتل في مسجد الخليل في فجر رمضان من المسلمين من كانوا يؤدون صلاة الفجر.

هذه هي طبيعتهم منذ آلاف السنين؛ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا في ساعة واحدة من أول النهار، فقام مائة وسبعون رجلا من بني إسرائيل يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فقتلوهم جميعا في آخر النهار من ذلك اليوم، وهم الذين نزل فيهم قول الله تعالى: {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم}[6][7].

إن الاتجاه والهدف للإرهاب الصهيوني هو تهويد الأرض والشعب، ويحاولون بث هذه الأفكار في عقول أطفالهم، وفي عقول غيرهم، وفي تصورهم أن من لم يقتنع بتهويد الأرض والشعب فهو أعمى، ويجب قتله أو اتهامه بأنه إرهابي.

يقول دكتور المسيري: “إن جعلها دولة يهودية ينبه إلى مشروعية طرد الفلسطينيين، واغتصاب أرضهم؛ لأنهم بذلك يحررون وطنهم القومي من يد الفلسطينيين الغاصبين، وبالتالي يصبح الاستمرار في قتل الفلسطينيين، وتشريدهم عملا مشروعا، ودفاعا عن النفس، ولا يعارضهم في ذلك إلا إرهابي، فالخطأ في التصنيف متعمد، قصد به الصهيونيون والغربيون قلب الحقائق وتزييف الواقع[8].

لقد استكمل اليهود بتشريد الفلسطينيين ومحو الآثار تهويد دولة إسرائيل، ولم يبق في نظرهم إلا القدس، ولهذا سعى اليهود من سنة 1967 إلى تهويدها حيث لا يقتصر ذلك على اقتلاع السكان والتغيير الديموجرافي فحسب؛ بل امتد إلى محاولة إحداث تغيير جذري للوجه التاريخي للمدينة، كتغيير أسماء الأحياء وضواحيها والحصار الاقتصادي لإجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم لإحلال المزيد من المستوطنين مكانهم، وهدم واسع للأحياء العربية في القدس القديمة، كحي المغاربة وحي الشرق، بالإضافة من منعهم من بناء مساكن جديدة، بالإضافة إلى إقامة حزام استيطاني من الأحياء السكنية اليهودية يحيط بالقدس من الناحيتين الشمالية والجنوبية.

ولم يقتصر إرهابهم على البشر والحجر، بل طال باعتدائهم الوحشي والمتكرر مئات الآلاف على الأشجار المثمرة، ودمروا حقولا كاملة تنتج الحبوب والثمار.

ولتضييق الخناق على الفلسطينيين قاموا بتكثيف الحواجز العسكرية، وإقامة البوابات الحديدية في محيط المدن والبلدان في الضفة الغربية، التي يعلن محيطها أنها مناطق عسكرية يحظر الدخول إليها من أصحابها الأصليين، ناهيك عن إتلاف كل المساحات المزروعة الموجودة حول هذه الحواجز والبوابات الحديدية.

وتعدد أشكال الإرهاب الصهيوني حتى طال المياه الفلسطينية والعربية؛ فبينما تستثمر السلطات الإسرائيلية مياه نهر الأردن، منع المزارعون الفلسطينيون من ذلك حيث نسفت 140 مضخة كانت قد أنشئت على الضفة الغربية لنهر الأردن لاستخدامها في أغراض الري والزراعة[9].

وحيث يحرم الفلسطينيون من حاجاتهم من الماء في حين لا يوجد أي ضابط للكمية التي يستهلكها المستوطنون، فمثلا يعادل استهلاك مزرعة وزير الزراعة سابقا “آرئيل شارون” حصة مائتي عائلة تعمل بالزراعة[10].

من أساليب الإرهاب الصهيوني قتل الأطفال:

لا يوجد أقسى ولا أبشع مما يرتكبه الصهاينة في فلسطين من ممارسات وحشية مع أطفال الحجارة، فهم أحفاد “يوشع بن نون”، الذي أمر جنوده بأن يحرقوا مدينة “أريحا” بمن فيها من الرجال والنساء والأطفال، كما جاء في كتبهم، ولم يقتصر الأمر على حرق “أريحا” بل كان من شأنهم في كل مدينة استولوا عليها.

لم تصل دولة في العصر الحديث إلى مثل ما وصلت إليه إسرائيل في ذبح الأطفال، وكيفية قتلهم على اختلاف أعمارهم.

وقتل الأطفال والتنكيل بهم حفلت به الكتب والمناهج الصهيونية، وحملت في الأغلب أكثر النزعات إجرامية، وقد ازداد العنف الصهيوني في مناهجهم باستخدام التطور التكنولوجي وأدوات التدمير والقتل لكل ما هو غير يهودي.

إن التعليم الصهيوني بمراحله المختلفة يهدف إلى ضرورة تفعيل مفاهيم الإرهاب والعنف والعداوة للآخرين؛ حتى يمكن الضمان لاستمرارية الدولة الصهيونية، فهم يعلمون أبناءهم العنف والإرهاب، وكراهية العرب، وتشويه صورة المسلمين.

ويسخر الصهاينة كل القنوات الموصلة للفكر والأدب والثقافة والتعليم الموجه للأطفال استغلالا وتسخيرا بشعا؛ بغية خدمة الصهيونية، وتنمية الوعي الصهيوني لدى الأطفال، وغرس المبادئ وخلق الولاءات الدائمة لهذا الكيان، ويرافق ذلك زرع الحقد والغل والكراهية وغيرها من الصور البشعة، والنظرة الفوقية ضد العرب، وتعميق مفاهيم القوة والعداوة واستمرار تحقيق الانتصارات الدائمة على العرب.

وتركز كتب الأطفال اليهودية على موضوع واحد، هو تصوير أطفال اليهود على أنهم جبابرة عظماء لا يقهرون، وهم يهزمون أعداءهم من العرب الأغبياء بسهولة ويسر؛ لأنهم يريدون قتل اليهود من أجل المتعة الذاتية فقط.

وحين تستعرض تلك الكتب التاريخ بين العرب واليهود فإنها تصوره عداء دائما، وأن هذا العداء الطويل لا يمكن أن يزول؛ لأن اليهود لم يثأروا حتى اليوم على الرغم من مضي الأحقاب الطويلة، وعليه فإن في أعناق الأطفال مسؤولية إكمال الثأر اليهودي.

وينشأ الطفل اليهودي على هذه المعاني؛ ليكون جندي المستقبل الذي يذبح العرب الدخلاء المتخلفين، الذين يريدون إخراجه من أرض الميعاد وفرض تخلفهم عليه.

إن أهدافا غير معلنة للتربية الصهيونية تحث على العنف والإرهاب والعدوان، ومنها:

1 – تشويه وتقزيم الصورة العربية في نظر الطالب الصهيوني، مقابل التأكيد على صورة السوبر مان الصهيوني الذي لا يقهر.

2 – تنشئة أجيال صهيونية متعصبة جدا لصهيونيتها ودولتها بكل ممارستها، ومؤمنة بذلك إيمانا مطلقا.

أظن أنه لا يوجد ولا وجدت دولة تؤصل العداوة في قلوب أطفالها بهذا الشكل المرير، بجانب أنها لم ترحم أطفال الفلسطينيين من جميع وسائل القتل، والتشريد، والتعذيب، وليس محمد الدرة عنا ببعيد، ولا تغيب من ذهني صورة طفل هشمت رأسه يرفعه أحد الفلسطينيين من بين الأنقاض، ولا مئات الأطفال المعوقين؛ بسبب اعتداء الجنود الإسرائيليين، ولا آلاف الصبية في داخل السجون الإسرائيلية، ولن أنسى صورة الأم السجينة التي أبعدوا عنها طفلها في سجن آخر.

هكذا قتل الاحتلال الأسير سامي أبو دياك

إن يهودي اليوم هو يهودي الأمس، ففي العهد القديم “وسبى بنو إسرائيل نساء مدين وأطفالهم، ونهبوا جميع بهائمهم، وجميع مواشيهم، وكل أملاكهم، وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم، وجميع حصونهم، وأخذوا كل الغنيمة، وكل النهب من الناس والبهائم، وتم ذلك بعد أن قتلوا كل الرجال والملوك”[11].

من وسائل الإرهاب الصهيوني: محو الآثار الفلسطينية لإسكات التاريخ الفلسطيني، سواء كانت مساجد شهيرة أم صغيرة؛ وحتى الكنائس النصرانية.

اهتم الصهاينة على قدم وساق باكتشاف الآثار منذ وصول أول مندوب سام إلى فلسطين (1920 – 1925)، وهو اليهودي الصهيوني هربرت صموئيل؛ ولذا يعد بداية الانتداب وما وفره من دعم وعون لأعمال التنقيب الأثري فترة مهمة للغاية في المشروع الصهيوني.

وهدف الصهيونيين من ذلك – كما يقول “كيث وايتلام” -: هو تزييف التاريخ القديم للمنطقة على أيدي الباحثين التوراتيين، وهو أنه كانت هناك مملكة إسرائيلية عظمى، حكمها داود ثم سليمان في فلسطين حوالي سنة 1200 ق. م، وما هذا القول إلا مجرد وهم زائف[12]، إن إسرائيل التاريخية هذه لم تكن إلا لحظة عابرة في سيرة التاريخ الحضاري لفلسطين القديمة[13].

ولاستمرار التضليل العالمي ولإثبات مزاعمهم يقومون بالتنقيب والحفر تحت المسجد الأقصى؛ بدعوى وجود هيكل سليمان، وهذه دعاوى كاذبة ومضللة؛ لأنها ليس لها سند من الحقيقة، فقد حكموا القدس أقل من مائة عام من 1048 وحتى 975 ق. م، وهذه الفترة في التاريخ لا تذكر في حياة الأمم والشعوب، وكانت تلك الفترة قبل الميلاد حيث توالت جميع الحضارات بما فيها اليونانية والرومانية على القدس.

والشيء المؤكد من الحفريات التي تمت في القدس عبر سنوات طويلة لم تصل إلى أثر يفيد أن هيكل سليمان كان في هذه البقعة؛ بل إن الحفريات توصلت إلى آثار إسلامية من العهد الأموي، وإلى آثار بيزنطية ورومانية.

ويؤكد الشيخ محمد حسين، إمام وخطيب المسجد الأقصى: المسجد الأقصى في خطر منذ وقع تحت الأسر اليهودي عام 1967 م والمطامع فيه كثيرة، وهو يتعرض كل يوم لمحاولات تدنيس واعتداءات من قبل المتطرفين اليهود، والحفريات الصهيونية تستهدف النيل من بناء المسجد، وهي مستمرة في محيطه وحول أسواره وفي أحياء القدس القريبة منه دون توقف.

وأشهر هذه الاعتداءات:

1 – وضع اليد اليهودية على باب المغاربة أحد أبواب الحرم الشريف، وإقامة ثكنة عسكرية إسرائيلية أباحت لليهود التسلل منها إلى داخل الحرم، وإقامة المظاهرات والصلوات في ساحاته وأحكمت سيطرتها على أبواب الحرم الخارجية.

2 – الحفريات الإسرائيلية حول الحرم من الجهتين الجنوبية والغربية واختراقها لأساسات قبة الصخرة، وفتح الأنفاق تحت الأبنية الوقفية والزوايا وساحات الحرم، مما تسبب في هدم وتداعي عشرات الأبنية ومنها: الجامع العثماني، ورباط الكرد، والمدرسة المنجكية، والجوهرية، والزاوية الوفائية.

3 – تفريغ الأنفاق وقنوات المياه والآبار التي في أسفل الحرم الشريف؛ لإضعاف أساسات المسجد من الجهة الجنوبية، بحيث يسهل تدميرها بسبب هزة أرضية.

4 – إحراق جزء من جامع الأقصى المبارك في 21/ 8/ 1969، وحرق منبر صلاح الدين الشهير على يد الصهيوني الأسترالي دنيس روهان.

5 – حفر ممرات سرية بهدف اقتحام الحرم الذي يعده اليهود.

6 – محاولة الاستيلاء على اصطبلات سليمان بن عبدالملك.

7 – اقتحام أمناء جبل الهيكل وعصابة كاخ في 14 / 8 / 1979، واقتحام الجندي “هاري جولدمان” للمسجد وقتل فلسطينيين وجرح ستين منهم.

8 – محاولة اقتحام المصلى المرواني بتاريخ 10/ 3/ 1983، ومحاولة الاستيطان في المسجد الأقصى بفتح فتحات من الجهة الجنوبية في 12/ 3/ 1983، ومحاولة اقتحام الحرم عنوة من قبل الصهاينة في 20/ 7/ 1996 م.

9 – وضع الحكومة الإسرائيلية مخططات عديدة للاستيلاء على الأقصى، والتمهيد لذلك باستبدال حراسة الشرطة بسياج كهربائي وبوابات إلكترونية، وتركيب آلات تصوير لمراقبة الطرقات المؤدية إلى الحرم في 13/ 9 / 1999م.

10 – اقتحام “آرئيل شارون” السفاح الحرم القدسي ومعه ألف جندي وشرطي، واستشهاد خمسة من المسلمين وجرح العشرات، واقتحامه مرة أخرى وقتل 22 فلسطينيا، وجرح 200 في 8/ 8/ 1990، واقتحامه وقتل 62 فلسطينيا وجرح المئات في 24/ 9/ 1996 م وإصابة أكثر من عشرين مسلما عند صد عصابة أمناء الهيكل في محاولة وضع حجر أساس للهيكل المزعوم في 19/ 7/ 2001 م.

11 – وفي سنة 1996م وتحت إشراف الجيش الإسرائيلي ورئيس بلدية القدس (إيهود أولمرت) رئيس الحكومة الحالي، تم فتح النفق الممتد أسفل الرواق الغربي للحرم الشريف، ووقعت أحداث دامية راح ضحيتها أكثر من خمسة وثمانين شهيدا وألف وخمسمائة جريح[14].

ومن الأماكن الإسلامية البارزة التي اعتدى عليها اليهود عدوانا سافرا: المسجد الذي فيه قبور ورموز لسيدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب – عليهم السلام – وزوجاتهم، واهتم المسلمون به فبنى الأمويون القباب فوق القبور والمآذن؛ كما بنوا صحن المسجد المكشوف، وزاد فيه العباسيون ومن بعدهم فأقاموا الرباطات والزوايا، وجدده صلاح الدين، وعندما احتل اليهود الخليل سنة 1967 استولوا على المسجد وحولوه إلى كنس، ومنعوا المسلمين من الصلاة فيه، وحصروهم في جزء صغير منه، وصاروا يقيمون فيه حفلات الرقص والغناء ويختنون الأولاد ويشربون الخمور فيه، ويرمون الفضلات في المكان المخصص لصلاة المسلمين، وسرقوا ما في المسجد من تحف، واعتدوا على المصلين في الحرم الإبراهيمي، وقتل وجرح المئات من المصلين.

حتى لا ننسى..الذكرى ال 102 لوعد بلفور المشؤوم

أما المساجد على مستوى القدس وفلسطين وخاصة المناطق التي هي داخل الأراضي الإسرائيلية، والتي اضطر أهلها للهجرة منها، فمنذ احتلال الصهاينة تم تخريب أكثر من مائة مسجد، ولكل مسجد قصة وقصة، ومن تلك المساجد:

1 – اعتدوا على المسجد الشهير في عكا “جامع الجزار” وملحقاته من الأوقاف والمدرسة الدينية، وشلوا حركة التدريس فيه وأصبح معلما سياحيا لا حياة للعبادة.

2 – مساجد سيدنا عكاشة والفية والقيمرية، ومسجد الشيخ رسلان، ومسجد صف وطبريا وعسقلان وطيرة بني صعب وكفر يرعم تم تحويلها إلى كنس يهودي.

3 – ومن المساجد ما هدمت مبانيه، وأدخلوه في الطريق وتركوا المئذنة شاهدا على أن مسجدا كان هنا.

4 – ومن المساجد مسجد حطين قاموا بتخريبه وتدميره ولم يبق منه إلا أسواره، ويأتي إليه اليهود للاستمتاع بآثار التخريب فيه.

5- ومن المساجد ما تم تحويل الدور الأرضي إلى مطعم، ويعلن في الصحف والمجلات العبرية عن وجبات سمك في المسجد، ومساجد حولت إلى اصطبلات تبيت فيها المواشي ليلا.

ومسجد فجروا مئذنته وقالوا: هدمت بسبب شدة الهواء، ومساجد تركت مهجورة بلا ترميم ونظافة، ثم حولوها إلى فنادق.

وأما أماكن العبادة النصرانية فقد قامت جماعات يهودية بتخريب مقدسات النصرانيين؛ كما خربت مقدسات المسلمين في فلسطين والقدس، ومن هذه الاعتداءات:

1 – الاعتداء على كنيسة القيامة – أقدم كنيسة نصرانية في العالم – سواء بتحطيم القناديل فوق ما يدعون أنه قبر المسيح، أو باقتراف عدد من السرقات أو بالاعتداء على حراسها والرهبان.

2 – الاعتداء على دير الأقباط الملاصق لكنيسة القيامة، وضرب رهبانه من قبل الشرطة الإسرائيلية، وحرق خمسة مراكز دينية ومطبعة لبعض الكنائس النصرانية، وهذا قليل من كثير.

وبعد هذا البيان لآثار القدس وفلسطين لإسكات الشعب والتاريخ الفلسطيني، نقول: إن الذي يدرس تاريخ الآثار الدينية في القدس يعلم يقينا أن الأماكن اليهودية المقدسة قليلة جدا لسببين:

أولهما: أن الرومان دمروا القدس أورشليم، وما فيها من آثار يهودية مرتين، مرة سنة 70 للميلاد على يد تيطوس، ومرة سنة 135 للميلاد على يد هدرايانوس وبذلك عفت آثارهم كلها.

وثانيهما: أن الفترة التي ازدهرت فيها الديانة الموسوية قصيرة جدا، فحكم داود وسليمان لم يتجاوز القرن الواحد فيما استمر الحكم الإسلامي ثلاثة عشر قرنا.

إن الإرهاب الصهيوني بتدميره الآثار الإسلامية والنصرانية وتدمير المساجد الشهيرة وغيرها حتى ولو زوايا، يريدون أن يقيموا معادلة محو الآثار الإسلامية والنصرانية؛ حتى تكون أقل من الكنس اليهودي، فكما فعلوا هنا في دور العبادة فعلوا في المسلمين، يحاولون بكل طاقاتهم أن تكون الغالبية البشرية لليهود، والأقلية لعرب القدس وفلسطين، وفي زعمهم إثبات لتهويد الأرض والشعب والآثار.

1″عروبة القدس”، إسحاق موسى الحسيني، ص 62.، ط/ مطابع الأهرام.

2″إرهاب القراصنة وإرهاب الأباطرة”، الفصل الخامس ص 250 ناعوم تشومسكي، تعريب: أحمد عبدالوهاب.

3 تقدم انتقاد هذا المصطلح.

4″قراءة للمستقبل”، د/ مصطفى محمود، ص 33، ط أخبار اليوم.

5″جارودي يقاضي الصهيونية الإسرائيلية”، ط/ بيروت، ص 65، “الإرهاب الغربي”، روجيه جارودي، ط/ الشروق الدولية سنة 2004.

6″تفسير ابن كثير”: 1/ 355، سورة آل عمران، الآية: 21.

7 أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما، والبزار في مسنده من حديث أبي عبيدة بن الجراح – رضي الله عنه – وانظر: السلسلة الضعيفة برقم: 2783 ، وبرقم: 5461 .

8 كتاب “التجانس اليهودي والشخصية اليهودية”، د / عبدالوهاب المسيري، الفصل الأول ص 72.

 9 مجلة الوعي الإسلامي، العدد 375، ص 71.

10 شؤون فلسطينية، العدد 103.

11 سفر العدد، إصحاح: 31: 9 – 10.

12 وهذه حقيقة، لكن سليمان وداود – عليهما السلام – كانا نبيين من أنبياء الله تعالى، يدينان بالإسلام، ولا علاقة لهما باليهودية المحرفة.

13اختلاف إسرائيل القديمة – عالم المعرفة – العدد 249، ص 15، تأليف كيث وايتلام، ترجمة د/ سحر الهنيدي.

14جريدة الأهرام، العدد 40106، 26 من سبتمبر 1996 م، مجلة الوعي الإسلامي العدد 480 شعبان 1426 هـ.

نلتقى في الجزء الثالث وأهم المنظمات الإرهابية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights