يصادف اليوم الأحد الرابع من سبتمبر الذكرى الـ 40 لأكبر عملية أسـر في تاريخ النضال الفلسطيني قام بها ابطال حركة فتح ، حيث قاموا بأسـ ـر 8 جنود اسرائيليين في منطقة بحمدون في جنوب لبنان ، قامت بمبادلتهم فيما بعد بكل الأســـرى الفلسطينيين واللبنانيين ومعتقلين اخرين في سجون الاحتلال الاسرائيلي .
حيث نفدت حركة فتح أهم عملياتها في منطقة بحمدون جنوب لبنان بتاريخ 4-9-1982 – وقامت بأسر ثمانية جنود إسرائيليين ومبادلتهم بأســ ــرى فلسطينيين وعرب وتم اعطاء اثنين منهم للجـ ـبهة الشعبية القيادة العامة التي اصرت بالاحتفاظ بهم اثناء عملية النقل ، وكان قائد المجموعة والمشرف على العملية نائب قائد حركة فتح الحالي الاخ المناضل: محمود العالول والذي تسلم الجنود من المجموعة التي قامت بأسـ ـرهم ودارت مفاوضات مع قيادة حركة فتح بوساطة الصليب الاحمر وايطاليا أسفرت عن أكبر صفقة تبادل للأســ ــرى بتاريخ 23-11-1983 تضمنت البنود التالية :
👈 إطلاق سراح اسري معتقل أنصار والنبطية وصيدا وصور وعددهم 4700 أسير .
👈 إطلاق سراح 100 أســ ـير من سجون الداخل المحتل .
👈 إعادة أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني الذي نهبته قوات الاحتلال اثناء .
👈الإفراج عن ركاب الباخرتين كورديلا وحنان .
تفاصيل أسـ ـر حركة فتح لـ 8 جنود إسرائيليين
في الساعة الحادية عشرة من صباح السبت الرابع من أيلول من عام 1982، كما يروي القائد للميداني لعملية الأسر المناضل عيسى حجو من قضاء طبرية – والذي هاجر والده إلى منطقة الجولان السورية بعد النكبة وعمل في وكالة الغوث وتابع دراسته في الجزائر، التحق قائد المجموعة بالثـ ـورة الفلسطينية عام 1968، على إثر حرب 1982 قطع دراسته ليلتحق بالثوار في التطوع دفاعاً عن الثـ ـورة، ولكن احتلال قوات الاحتلال لثكنة عسكرية تدعى “هنري شهاب” حال دون وصوله إلى بيروت وبقي مع المجموعات الفـ ـدائية العاملة في منطقة الجبل في جنوب لبنان للقيام بمهام الرصد والاستطلاع وتنفيذ بعض العمليات.
ويقول حجو إنه بعد خروج القوات من لبنان صدرت أوامر من قيادة حركة فتح بضرورة، أسـ ـر عدد من الجنود فقامت المجموعة بإبلاغ القيادة عن وجود إحدى الدوريات الإسرائيلية التي اعتادت على المرور في وقت محدد إلى الشمال من بحمدون عبر واد كثيف الأشجار وشديد الوعورة إلى منطقة حمانا وهي قرية لبنانية تحت السيطرة السورية.
وبسبب كثافة الأشجار ووعورة الطريق اعتادت الدورية السير على الأقدام بسبب عدم قدرة الآليات على الدخول إلى نقطة قريبة معينة ثم التوقف.
بدء العملية
ويضيف القائد الميداني للعملية “انطلقت مجموعاتنا من القاعدة السرية المتقدمة وكنا نرتدي بزات عسكرية مثل البزات التي يلبسها عناصر حزب الكتـ ـائب ونحمل رشاشات من نوع كلاشينكوف ألماني, وعندما اقتربنا من الهدف اتفقنا على عدم التحدث وان يتم التفاهم بيننا بالإشارات، وهناك المجنزرة الإسرائيلية قد أفرغت حمولتها بالكامل من ثمانية جنود مدججين بالأسلحة الفردية والذخائر والمؤن التي تكفيهم طوال اليوم.
وبسبب حرارة الصيف ووعورة الطريق اخذ التعب من الجنود الإسرائيليين ما أن وصلوا إلى الكمين حتى استلقوا على الأرض وكلفوا ثلاثة منهم بالحراسة.
ساعة الصفر
وفي هذه الإثناء كانت مجموعتنا ترصد وتتعقب الجنود الثمانية، في انتظار الفرصة المواتية للانقضاض عليهم، وتم الاتفاق على الانقضاض عليهم على أن أكون أنا في المقدمة ثم يتبعني عنصر آخر بعد خمس دقائق ثم يتقدم العنصران الآخران بعد دقيقتين ومن اتجاهين مختلفين، وفي حالة تم الاشتباك يقوم العنصران الآخران بإطلاق النار على الجميع.
في ساعة الصفر تقدمت ودخلت إلى وسط الجنود – الموقع الإسرائيلي- ولكن لباسي وهيأتي وسلاحي لا يوحيان بأني من الفدائيين بل انني من عناصر حزب الكتـ ـائب، فصافحت أحد الجنود وتحدثت معه بالفرنسية التي أتقنتها في دراستي وركزت حديثي إلى احد الجنود وكأني اعرفه من مدة طويلة وكان جالساً على بندقيته من طراز “جليلو” فيحضنها، ثم تقدمت من ذلك الجندي ووضعت قدمي على كعب بندقيته، في هذه اللحظة التي وصل فيها زميلي إلى الموقع وطلبت من الجندي الوقوف واضعا بندقيتي في بطنه وسحبت الأقسام استعدادا لإطلاق النار، فأصبت جنود الموقع بالذهول وحاول احدهم إطلاق النار ولكن احد زملائي تحدث له بالعبرية، قائلا: “لا تطلق النار إذا أردت أن تعود إلى أمك سالما”.
فأيقن الجنود الإسرائيليون أنهم محاصرون، فأمرهم قائدهم بعدم المــ ــقاومة، وفي هذه اللحظة وصل زميلنا الثالث، فأدرك الجنود أنهم محاصرون ولا يستطيعون القيام بشيء، فطلبت من صديقي الذي يتقن العبرية أن يقول له إننا فدائيون ولا نرغب بقتلهم أو إيذائهم إلا إذا حاولوا المــ ــقاومة، وأن الموقع محاصر من جميع النواحي، فصعق الجنود واستسلموا جميعاَ فأمرناهم بالنزول إلى المدرج الثاني داخل الموقع، فقد كنا نعرف أن عدد الجنود في الموقع 8 ولكننا لم نجد سوى خمسة جنود.
وفي هذه اللحظة دخل جندي من بين الأشجار فأمره زميلي بالعبرية برمي سلاحه وإلا لن يرجع إلى أمه سالما، فرأى زملاءه الجنود فقام برمي السلاح ورفع اليدين ثم تبعه الجنديان الأخران.
تم الأمر في فترة 5 – 7 دقائق، وكان الأمر بالنسبة إلى الدورية العسكرية الإسرائيلية مفاجأة، ومع أن عملية الأسـ ـر انتهت إلا انه لم ينته بالنسبة إلى مجموعة الفدائيين، فبقي لديهم مهمة نقل الأسـ ــرى من منطقة مليئة بالحواجز والمواقع العسكرية لتنظيمات مختلفة، مما أثار القلق لقائد المجموعة الفدائية، “ما العمل 8 جنود إسرائيليين لدى 4 فدائيين؟”.
وهكذا بدأت عملية الإخلاء الصعبة والشاقة حيث عمل قائد المجموعة على إعادة الأسلحة إلى الجنود وكلفوا بحملها بعد أن جرت عملية تبديل مخازن الذخيرة في كل سلاح فلا يحمل الجندي أي ذخيرة من نوع السلاح الذي يحمله حتى لا يشكلوا خطورة.
وفي طريق العودة أصيب احد الجنود الإسرائيليين برصاصة بكتفه إثناء تعثر احد الفدائيين فانطلقت رصاصة من بندقية الفدائي باتجاه الجندي الإسرائيلي.
وحتى لا يحدث لبس في أثناء توجهنا للقاعدة العسكرية، قمت بالتوجه لوحدي في البداية للقاعدة وأبلغتهم إن عملية الأسـ ـر نجحت، وفي سبيل التغلب على نقل الأسـ ــرى إلى منطقة البقاع وعلى مشكلة الحواجز والمواقع المنتشرة في المنطقة تم الاتفاق مع موقع الجبهة الشعبية – القيادة العامة – للمساهمة في عملية نقل الأســ ــرى، حيت تتمتع سيارات الجبهة الشعبية بحرية أكبر في الحركة على الحواجز والمواقع المنتشرة على الطريق.
وتم تقسيم الأسـ ــرى إلى مجموعتين: المجموعة الأولى تضم أسيرين في سيارة تابعة للجـ ـبهة الشعبية وتسير في المقدمة وتضم المجموعة الثانية بقية الأسـ ــرى في سيارة تابعة لفتح وتسير في المؤخرة وبهذا الأسلوب تم اجتياز الحواجز والمواقع على الطريق إلى مقر القيادة في البقاع ولكن الجـ ـبهة الشعبية- القيادة العامة- أصرت على الاحتفاظ بالأسيرين، وعند وصول الفدائيين إلى المقر في البقاع عمت الفرحة وتم تسليم الأسـ ــرى الجنود إلى الاخ القائد : محمود العالول، وتم إبلاغ القيادة في دمشق بعملية الأسـ ـر، وما أن اكتشف الإسرائيليون فقدان جنودهم حتى بدأت عمليات البحث بالطائرات والمجنزرات والجنود, وبعد ذلك أعلنت إسرائيل فقدان 8 جنود محذرة من المساس بهم، أما على الصعيد الداخلي لإسرائيل فقد اعتبرت إحدى الانتكاسات التي مرت بها.
مرحلة المفاوضات
استمرت المفاوضات مع الاحتلال ما يقارب العام والنصف وشاركت فيها جهات دولية بما فيها الصليب الأحمر، والنسما في شخص مستشارها كرايسكي وغرسنا في مرحلة لاحقة، وأصيبت هذه المحادثات لأكثر من مرة بالشلل والتضارب في الآراء، كانت هناك اختلافات بين قيادة الثورة الفلسطينية و”إسرائيل” حول عملية إطلاق سراح الأســ ــرى.
من أجل ذلك شكلت قيادة الثـ ـورة بقيادة الشهــ ــيد الراحل: ياسر عرفات الذي كان محاصرا أنذاك في طرابلس، لجنة متابعة ومواصلة الاتصالات مع الإطراف المعنية، وكذلك شكلت “إسرائيل” لجنة متابعة تغيرت أكثر من مرة، حيث تعنت الطرف الإسرائيلي أكثر من مرة.
ولكن ما أرغم “إسرائيل” بالعمل على الموافقة على مطالب حركة فتح ومنظمة التحرير انه خلال الاشتباكات التي جرت في طرابلس في شمال لبنان، أحس الإسرائيليون بالخطورة على حياة أبنائهم الأسـ ــرى بسبب جدية الموقف من قبل قيادة الثورة، فوافقت “إسرائيل” على إطلاق العدد الذي تحدد من قبل قيادة فتح والثـ ـورة.
وشارك في هذه المفاوضات كل من قائد الثورة ياسر عرفات، وخليل الوزير نائب القائد العام للثـ ـورة، ونبيل أبو ردينة، حيث اجتمعت القيادة تحت أزيز الرصاص والانفجارات في طرابلس مع ممثل الصليب الأحمر جون هفيلكير، وقاربت مرحلة المفاوضات على الانتهاء حيث كانت مطالب القائد العام للثورة الفلسطينية:
- إطلاق سراح أســ ــرى معتقل أنصار والنبطية وصيدا وصور.
- إطلاق سراح مائة أسير وسجين من سجون الداخل.
- إعادة أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني.
- الإفراج عن ركاب الباخرتين كورديلا وحنان.
وقد نقل الصليب الأحمر وجهة نظر ومطالب القيادة، وفي 20/11/1983 في طرابلس بلبنان عقد اجتماع مثله القائد العام للثورة الفلسطينية ياسر عرفات ونبيل أبو ردينة وبحضور الصليب الأحمر برئاسة جون هفيليكرو، تم خلاله استعراض نتائج الاتصالات مع “إسرائيل” من قبل الصليب الأحمر، حيث أبلغت “إسرائيل” الصليب الأحمر اعتراضها على إطلاق كافة الأسماء من معتقلي الداخل.
وقالت إنها تريد اختيار الأسماء بينما أصرت القيادة الفلسطينية للثورة على التمسك بكافة الشروط المسبقة، وأعيد الاجتماع يوم الأحد 22/11/1983 ومثل الوفد الفلسطيني أبو عمار ونبيل أبو ردينة ونقل الصليب الأحمر عن محاولة إسرائيلية باختيار 50% من أسماء معتقلي الداخل مقابل 50% للمنظمة ورفض الوفد الفلسطيني، وتمسك بشروطه.
وتم عقد اجتماعات طوال يوم الاثنين 23/11/1983 بجولة ثانية بوجود أبو عمار وأبو ردينة، ووافقت “إسرائيل” على كافة المطالب التي فرضتها منظمة التحرير وحركة فتح، وكذلك الموافقة على اقتراح الصليب الأحمر بإجراء عملية التبادل في عرض البحر وتم الاتفاق على تحديد مكان اللقاء شمال غرب جزيرة رانكين الساعة الثانية عشرة ليلة 23-24/11/1983، حيث وقع أبو جهـ ــاد النائب العام للثورة الفلسطينية على وثيقة الصليب الأحمر بتسليم 6 جنود في نفس الوقت الذي يتم فيه تحرير الأسـ ــرى الفلسطينيين واللبنانيين وكذلك وقع على وثيقة الصليب وزير الجيش الإسرائيلي في حينه موشيه آرنس.
نصت الوثيقة ان تكون عملية التبادل على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: التحرك على الشاطئ اللبناني تقوم إسرائيل بإطلاق سراح ركاب الطائرة الأولى من مطار اللد باتجاه الجزائر.
المرحلة الثانية: يتسلم الصليب الأحمر الأسـ ــرى الجنود مقابل سماح إسرائيل إطلاق الطائرة الثانية للأســ ــرى إلى الجزائر.
المرحلة الثالثة: لحظة تسلم الجانب الفرنسي الأسـ ــرى الجنود، تقوم إسرائيل بالسماح للطائرة الثالثة بالإقلاع باتجاه الجزائر على أن يتم إطلاق سراح معتقلي معسكر أنصار الذي اختاروا البقاء في لبنان، حيث نقل الأسـ ــرى الفلسطينيين بطائرات جمبوا فرنسية من مطار اللد الى الجزائر.
بدء عملية التبادل
بدأت في ميناء طرابلس في شمال لبنان في الساعة العاشرة من ليل الخميس 23 تشرين الثاني 1983 حركة غير عادية، حيث كانت زوارق بخارية تقف على أهبة الاستعداد وكانت بداخلها حراسة مشددة من قبل قوات حركة فتح ولا أحد باستثناء معاوني ياسر عرفات وبعض مسؤولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيت تم نقل الجنود الأسـ ــرى إلى الميناء ثم من الزوارق إلى سفينة فرنسية ترفع علم الصليب الأحمر تبعد 8 كيلو مترات عن شواطئ طرابلس حيث قام شموئيل تامير رئيس الوفد الإسرائيلي باستلام الأسـ ــرى من مندوبي الصليب الأحمر.
وكان يتم في جنوب لبنان عملية مماثلة حيث توجهت قيادة الجيش الإسرائيلي إلى معتقلي أنصار فعرضت عليهم البقاء في لبنان أو نقلهم إلى الجزائر فاختار 3600 نقلهم الى لبنان وتم نقلهم في 120 حافلة، أما الذين تم اختيارهم للجزائر فقد تم وضعهم في مجموعات صغيرة في معتقل أنصار وبدء نقلهم تحت حراسة مشددة إلى مطار اللد، إلى أن قامت الطائرات الفرنسية بنقلهم إلى الجزائر.
واليكم أسماء الجنود الستة :
- الياهو أبو طبل 20 عام
- داني غلبوك 20 عام
- رفائيل حزان 21 عام
- رؤوبنكوهين 19 عام
- ابراهما فتلبسكي 19 عام
- آفي كورنفيلد 20 عام
أما الأسـ ــرى فكانوا موزعين على التالي: 4700 أسير فلسطيني ولبناني في سجن أنصار، ذهب منهم 1024 إلى الجزائر وعاد الباقي إلى لبنان في مدنهم وقراهم ومخيماتهم.
65 معتقلاَ كانوا في سجون الداخل منهم 52 حكموا بالسجن مدى الحياة بينهم ثمانية من فلسطيني 1948، من تم احتجازهم في عملية قرصنة بحرية قامت بها السفن البحرية الإسرائيلية.