ليس بحثاً عن الحياة بقدر ما هو إصرار على إكمال مسيرة عمرها سنوات من التضحية والجهاد لأجل تحرير فلسطين كل فلسطين. يسعى الأسرى الفلسطينيون جيلاً بعد جيل إلى تحقيق حُلم التحرير والعودة الى الديار المهجّرة، فبزغ أمل الإنجاب من خلف القضبان كطريقة للحفاظ على أمل العيش وتحدي الاحتلال وإنجاب أبناء وإعداد جيل التحرير، للقدس، والأقصى، وكل فلسطين، رغم هذه الظروف الصعبة، أو التي كانت حين ابتكار الفكرة “مستحيلة”.
تخطى سفراء الحرية كل الحواجز والحدود التي فرضها سجان الاحتلال على الأسرى الفلسطينيين، ليحملوا معالم آبائهم، وليرسموا ملامح من الحياة الموسومة بالحرية والفرح، بدأت بفكرة مستحيلة داخل سجون الاحتلال، وانتهت بحقيقة لا خيالاً في ظل ابتكار الأسرى لثورة إنسانية لتحقيق غريزة الأبوة.
يبدع الفلسطينيون بابتكار طرقاً لتحدي الاحتلال الإسرائيلي، إحداها النطف المهربة أو ما تسمى بسفراء الحرية، فمن خلالها يستطيع الأسير الذي يقضي زهرة شبابه خلف القضبان على الإنجاب.
اول من لمعت في ذهنه هذه التجربة المبدعة الأسير عباس السيد فكانت بمثابة براءة اختراع له، فيما انتقلت الفكرة لزوجة الأسير عمار الزبن الذي يقضي حكما خياليًا .وكان اول من خاض هذه التجربة بنجاح .
تم ابتكار طرقاً عدة لتهريب هذه النطف من داخل السجون ومنها، وضعها في غطاء قلم حبر، أو هدية صغيرة مصنوعة يدويا يتم تسليمها لذويهم، أو ولاعة سجائر ، أو غلاف قطعة شوكولا،أو حتى حبة تمر أو كبسولة دواء وبعض الأمهات مازلن يحتفظن بهذا الغلاف الذي جاء الابن فيه من داخل السجن .
ويحكي الاسرى السابقون عن عملية تهريب النطف بأنها شديدة التعقيد بسبب التشديدات الأمنية التي تحولت لحرب على النطف،فتشبه في صعوبتها تهريب شخص خارج السجن. قد ينجح أو لا ينجح الإخصاب من المرة الأولى، فيحاول السجين مرة واثنين وثلاثًا. أما الأطباء فيقولون انهم لا يعرفون كيف تُهرّب هذه النطف، ومنها إلى العيادة؛ وأنهم يفعلون ذلك لأسباب إنسانية وليست سياسية، فالأنظار كلها موجهه إلى الأسرى، لكن هؤلاء النساء (الزوجات) تعانين كثيرًا.
- ننشر كشف أسماء الجرحى للسفر عبر معبر رفح غداً الخميس
- نص كلمة الرئيس السيسى بالقمة الافتراضية لمجموعة العشرين G20
- نص كلمة ولي العهد السعودي في القمة العربية
واجتماعياً يلقى الأمر تأييدًا مجتمعيًّا لعبت فيه الفتاوى الدينية دورًا مهماً. إذ يجب على زوجة الأسير أن تخبر أهل قريتها أنها حصلت على نطفة مهربة من زوجها، قبل أن يرونها تحمل طفلًا في يديها.
إن المجتمع تقبل هذا الأمر بصورة استثنائية وفاءً للأسرى، وكل الأطفال الذين وُلدوا عبر النطف المهربة حصلوا على شهادات ميلاد، وهويات، فالأسير لن يُعرض طفله لمعاناة عدم الاعتراف به.أما الجانب “الإسرائيلي” بعد أن يعلم بمولد طفل أسير عبر النطف المهربة، يفرض عقوبات على الآباء الذين هربوا نطفهم بوضعهم في حبس انفرادي قد يدوم شهورًا أو بمنعهم من كانتين السجن، أو نقلهم لسجن آخر، أو دفع غرامات، والمنع من الزيارة خاصةً لهذا الابن الذي جاء رغمًا عنهم.
إن الداعم الأساسي لهذه العملية هي دار الإفتاء واتفاق القوى الوطنية، والمراكز الطبية التي تحمل على عاتقها خدمة زوجات الأسرى بالمجان، والقانون الفلسطيني الذي يعترف بطفل النطف المهربة بشكل طبيعي مثل أي طفل، وأخيرًا الإعلام الذي يهتم بالحدث بشكل كبير.
إن قضية النطف المُحرّرة شكّلت على مدار السنوات الماضية أبرز الإنجازات التي تمكّن من خلالها الأسرى كسر جدار السجن، وصناعة الأمل بالإرادة، وأصبحت محط اهتمام عالمي، ذلك كله بالتأكيد لا يغني عن فكرة الحرية الكاملة للجسد والفكر والروح، ولكنها تخفف من وطأة الحرمان الفلسطيني من ممارسة حقه الإنساني بالحرية والزواج والإنجاب والعيش السعيد في ظل عائلة كاملة المقومات، لذلك كلما اختار الاحتلال أن يحرمنا حقّ الوجود، اخترنا نحن أن نمنح لأنفسنا حق التأصيل والتجذر والاستمرار.
إن ذلك يعبر عن تمسك بالحياة، وتعلق بالأمل، وانتظار لحظات الحرية والتحرير.