- المواريث من الفرائض من حيث الحكم التكليفي والفرائض لاقدرة لأحد على التدخل فيها
- هل يظن أن دعاة تسوية المرأة بالرجل في الميراث سينصفونها
- إن ماذكره الدكتور الهلالي منقوض بأن الديون من حقوق العباد

لقد علم الله أزلا أن مايقال في شأن المواريث الآن سيقال فجاءت الآيات الكريمة محكمة لم تترك مجالا لهذا العبث الذي يطلق عليه البعض تطورا فقهيا ،ولنأخذ منها آية واحدة هي محل هذا اللغط الدائر حول تسوية المرأة بالرجل في الميراث حيث بين رب العالمين ذلك فقال -جل شأنه – (يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)
حيث يلاحظ أن الآية الكريمة لم تكتف بلفظ الوصية التي صدرت بها الآية حيث إنه من السهل القول بأن الوصية ليست ملزمة فتصدرت لام الملكية والاختصاص ذكر الأنصبة(فلهن – فلها – فلأمه) ومما لايخفى على طالب علم أن ملك الإنسان لاينازعه فيه أحد ولايحل لغيره إلا بطيب نفس منه لقوله- تعالى – ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقوله – صلى الله عليه وسلم – : “لايحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه” ولم تكتف الآية بذلك بل ختمت ذلك كله ببيان نوع الحكم صراحة فهو :(فريضة من الله)
ولست أدري بعد النص الصريح على أن تقسيم الأنصبة المذكورة فريضة من الله من أين أتى أستاذ الفقه المقارن سعد الدين الهلالي بأن الميراث من الحقوق وليس من الفرائض
ولست أدري بعد النص الصريح على أن تقسيم الأنصبة المذكورة فريضة من الله من أين أتى أستاذ الفقه المقارن سعد الدين الهلالي بأن الميراث من الحقوق وليس من الفرائض؟! إن طلاب العلم يعرفون أن من أسماء علم الميراث :علم الفرائض حيث إن أكثر الورثة يرثون بالفرض المقدر أي النصيب من الثلثين أو الثلث أو السدس أو النصف أو الربع أو السدس ، فثبوت النصيب( الفرض) الذي هو المقدار هو من حيث الحكم التكليفي فرض كأركان الإسلام بنص الآية
وهو حق للوارث ولا تعارض ، وعلى الحالين لايجوز لغير الوارث التدخل بتغيير النصيب المفروض ولا منع المستحق من أخذ حقه ،فبموت المورث يستحق الوارث نصيبه ويدخل في ملكيته على الفور ولايتوقف حتى على القسمة إلا أنه يستقر بالقسمة وتسلمه ، وهنا يحق للوارث أن يتنازل عنه اختيارا لبعض الورثة أو لجميعهم ، ولكن القول بأن حق الوارث في الميراث يمكن للغير أن يتدخل فيه فيسوى بين المرأة والرجل أو يجري تعديلا على فرض مذكور ويجعله قاعدة من دون الرجوع إلى الوارث كلام باطل لايلتفت إليه ولا تنتجه قواعد الاجتهاد ، ولم يقل به فقيه ولامتفقه في أي عصر من العصور، ولم نسمع لا في المواريث ولافي غيرها أن حقوق الناس يجوز لغيرهم من حكومات أو علماء أن يتدخلوا فيها نيابة عنهم ، ومما يعلمه طلاب العلم أن التوبة تصح في حقوق الله دون حقوق العباد فلاتسقط إلا بإسقاط أصحاب الحقوق لها، فإن كان رب العزة لايسقط حقوق العباد إلا بقبولهم إسقاطها فكيف يكون للبشر التدخل في حقوق البشر التي بينها رب العزة بآيات محكمات؟!
إن ماذكره الدكتور الهلالي منقوض بأن الديون من حقوق العباد وردها لأصحابها فريضة من الله: ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) ولم يقل أحد إن من حق أحد أن يسقط شيئا من حقوق الدائن بغير رضاه،ولكن يحوز للدائن نفسه أن يسقط مايشاء من الدين أو حتى كامل الدين عن المدين.
وإذا تأملت آيات المواريث الباقية في سورة النساء وجدت التأكيد بمثل ماورد في هذه الآية بعد كل نصيب مفروض حتى لايفكر أحد مجرد تفكير التدخل في قسمة الله -عز وجل – يقول الإمام ابن كثير مفسرا قوله -تعالى- ( فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما):[وقوله: { فريضة من اللّه} أي هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض هو فرض من اللّه حكم به وقضاه، واللّه عليم حكيم، والحكيم: الذي يضع الأشياء في محالها ويعطي كلاً ما يستحقه بحسبه، ولهذا قال: { إن اللّه كان عليماً حكيماً}] وهذا الذي ذكره الإمام ابن كثير بأن قسمة المواريث فرائض من الله لم يخالفه فيه أحد من المفسرين أو الفقهاء ، فهل تراهم جميعا غفلوا عما تفتقت عنه أذهان عباقرة العصر ؟ !
المواريث من الفرائض من حيث الحكم التكليفي والفرائض لاقدرة لأحد على التدخل فيها ، والأنصبة حقوق لمستحقيها ليس لأحد غيرهم تعديلها أو إسقاط شيء منها من غير الرجوع إلى كل مستحق.ولست أدري هل المساواة بين الرجال والنساء في المواريث تختص بحالات الأبناء والبنات للميت أو أنها ستعمم في المواريث فترث الزوجة مثل الزوج وترث الجدة مثل الجد وترث الزوجة مثل ابن الميت وترث الأم مثل الأب إن كان المال بينهما فقط أو مثل ابن الميت إن مات شخص وترك ابنا وأما …بمعنى التعطيل الكامل تقريبا لنظام المواريث المعمول به منذ فجر الإسلام إلى يومنا؟ وإذا سلم التدخل في فرائض المواريث فهل سيتبعه تعديل في فرائض الإسلام فتخفف الصلوات وركعاتها والزكاة وأنصبتها ومقادريها الواجبة والحج وزمانه وأركانه لتناسب هذه الفرائض العصر وتطور الاجتهاد الفقهي……؟!!
هل يظن أن دعاة تسوية المرأة بالرجل في الميراث سينصفونها إن جعلوا التسوية قاعدة مضطردة حيث يفيدونها في بعض حالات نقصت فيها عن الرجل ويظلمونها في حالات كثيرة زادة عنه نصيبا؟ .لله الأمر.