
في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ أمتنا، والتي تشهد أحداثاً جساما وتحديات ضخمة، فإن تصحيح المسيرة ودراسة التجارب والاستفادة من منها وتجنب أخطائها وممارسة النقد الذاتي العلني والمراجعة لمواضع الزلل والتقصير والخطأ هو المنهج القرآني السليم لتحقيق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، مِن هنا كان من الضرورة ترسيخ النقد العلني لنهج الغلاة والخوارج، الذين أضروا بالإسلام بتشويه صورته عند المسلمين وغيرهم، وأضروا بالمسلمين وغيرهم بما ارتكبوه من جرائم إرهابية كثيرة في بلاد عديدة، كما يلزم النقد العلني أيضاً لمسار وممارسات وسلوكيات التيارات الإسلامية الأخرى على تنوع مناهجها.
سنتناول في هذا المقال والذي يليه بإذن الله 10 أسباب تدفعنا لمحاربة نهج الخوارج والغلاة والتطرف الذي تمثله العديد من الجماعات المسلحة في أرجاء العالم، وعلى رأسها تنظيما داعش والقاعدة لكون انتشارهما وشرهما واسعا ولا يقتصر على بلد بعينه، وبسبب أنهما في مركز الصدارة في تبني هذا المنهج والسلوك المنحرف.
1- أن نهج الخوارج والغلو والتطرف تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم بشكل واضح وصريح في أحاديث عديدة منها قوله صلى الله عليه وسلم لمن غلا في الصلاة والصيام وترك الزواج فقال: “من رغب عن سنتي فليس مني” متفق عليه، فكيف سيكون موقفه صلى الله عليه وسلم فيمن يخالف سنته في تكفير الناس وقتل الناس دون وجه حق؟
وقال صلى الله عليه وسلم:”رجلان ما تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وآخر غالٍ في الدين مارقٌ منه” رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من صفة الخوارج أنهم أصحاب غلو ومبالغة في العبادة حتى أنهم أكثر عبادة من الصحابة، قال عليه الصلاة والسلام: “ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء” رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وذلك أن هذا الغلو والمبالغة في العبادة يرتبطان بالجهل بالدين واتباع الهوى والبحث عن متاع الدنيا رغم رفعهم شعار “إن الحكم إلا لله”، إلا أن كل مطالباتهم كانت في الحقيقة طلبا لمكاسب الدنيا منذ أن اعترض حرقوص ذو الخويصرة التميمي على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم للغنائم طمعاً بنصيب أكبر! وأيضاً الطمع بالدنيا والرئاسة هو الذي كان دافعاً لكثير من الهمج الثائرين على عثمان ذي النورين الخليفة الراشد الثالث!
2- ومنهج الخوارج والغلو والتطرف يصل بصاحبه للمروق والخروج من الدين كما حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “يخرج منه قومٌ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تَراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية” متفق عليه، وقد شبه الرسول هذا المروق من الدين بالسهم أو الطلقة حين تصيب الهدف وتخترقه بسرعة بالغة لدرجة أن السهم أو الطلقة تخرج نظيفة لا أثر للدم عليها، وهذا حال كثير من الخوارج والغلاة قديماً وحديثاً حيث يدخلون الإسلام ولكنهم يغلون ويتطرفون بسرعة بالغة بحيث لا يعلق فيهم أي قيمة من قيم الإسلام من العلم والدعوة والرحمة والرأفة والأخلاق الفاضلة، ولذلك لم يكن في الخوارج صحابي أو عالم فاضل، وفي واقعنا اليوم رأينا جميعاً كيف أن كثيرا من أتباع داعش ممن قاموا بعمليات إرهابية هم من مدمني ومروجي المخدرات ورواد الحانات وملاهي الشواذ، فهؤلاء مرقوا من جانب إلى جانب ولم تعلق بهم قيم الإسلام وأصوله كما بيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- أن صفة الخوارج اللازمة الجهل وعدم فهم الدين وخاصة القرآن الكريم رغم كثرة قراءتهم له، حيث وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم”. وفي رواية “حلوقهم” أو “حناجرهم” متفق عليه، أي ليس لهم من القرآن إلا القراءة باللسان، أما الفهم والتدبر بالعقل والقلب فلا! وقال صلى الله عليه وسلم: “يأتي في آخر الزمان قومٌ حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام” متفق عليه، وهذا تأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم على جهلهم من جهة أخرى بأنهم صغار في السن لا يمتلكون علماً متكاملاً وأيضاً تفكيرهم ساذج وأحمق “سفهاء الأحلام”، ومن قرأ سيرة الخوارج الأولين وتابع مصائب جماعات الخوارج والغلو والتطرف سيجد هذا الحمق والسفه والجهل وقلة العلم بالقرآن واضحاً في أفكارهم وخطاباتهم.
ومن تأمل في أعمار منظري فكر الخوارج مثل ابن لادن والظواهري والمقدسي وأشباههم سيجد أنهم تبنوا هذا الفكر وهم صغار السن من جهة، وسيجد أن أفكارهم حمقاء بمحاربة العدو القريب أولاً، ثم انتقلوا لحرب العدو البعيد، ثم اقتنعوا أن يجلبوا العدو البعيد ليخرب البلاد حتى يناصرهم الناس، وكانت النتيجة تدمير بلاد المسلمين وتخريبها فقط!
ومن يتابع بعضاً من خطب العدناني الناطق باسم الدواعش أو بعض خطبائهم يشاهد مقدار الجهل بالقرآن الكريم قراءة وحفظاً وفهماً.
ومن مظاهر جهل الخوارج في عصرنا تناقضاتهم فيما بينهم تجاه الموقف من نفس الأشخاص والهيئات والمواقف والأقوال، وهذا يتبين بوضوح في ردودهم على بعضهم البعض، ومن أمثلة ذلك ردود فضل سيد إمام والظواهري على بعضهما البعض، واعتراضات أبي بصير الطرطوسي على المقدسي، وآخرها أنه سرق كتاب “ملة إبراهيم” من جهيمان العتيبي، وكتاب “مختصر شهادتي على الجزائر” لأبي مصعب السوري ضد أبي قتادة الفلسطيني، وغيرها كثير.
4- أن الخوارج والغلاة وأهل التطرف بجهلهم وقلة عقلهم بيئة خصبة للاختراق من أعداء الإسلام قديماً وحديثاً، فرأينا كيف ساق ابنُ سبأ الجهلة الرعاع على الخليفة الراشد عثمان بن عفان الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، والذي من أجله بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بيعة الرضوان تحت الشجرة على قتال قريش وعدم الفرار حين أشيع أن قريشا قتلته، بعد أن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم سفيراً عنه لدخول مكة لأداء العمرة ونزلت فيها آية رضى الله عز وجل عن أصحاب البيعة من الصحابة رضوان الله عليهم “لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً مبيناً” (الفتح: 18).
وقد رسخ ابن سبأ مبدأ عمل الخوارج منذ تلك اللحظة ولليوم وهو التشغيب على الحكام والسلطات لأن هذا يعجب العامة ويستثير العواطف، فإذا كان صهر النبي صلى الله عليه وسلم وأحد المبشرين بالجنة يمكن خداع البسطاء بتثويرهم ضده من جاسوس كابن سبأ، فإن هذا في حق غيره أسهل وأيسر.
ونحن نشاهد في واقعنا اليوم كيف أن دعاة التطرف والإرهاب وفكر الخوارج يجدون بيئة حاضنة لهم في إيران الشيعية! وفي عواصم الغرب الديمقراطية! وأصبحت حقائق اختراق أجهزة الاستخبارات العالمية لهذه الجماعات مكشوفة ومعروفة وفيها مؤلفات عديدة منها: القاعدة وأخواتها لكميل الطويل، الإسلاميون والعسكر سنوات الدم في الجزائر لمحمد سمراوي.
5- تكفير المسلمين ظلماً وعدواناً برغم التحذير الشديد من النبي صلى الله عليه وسلم من التساهل في تكفير الناس، قال صلى الله عليه وسلم: “إذا قال الرجل لأخيه: يا كافرُ، فقد باء به أحدهما” رواه البخاري، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: “لا يرمي رجلٌ رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدَّتْ عليه، إن لم يكُنْ صاحبه كذلك” رواه البخاري.
لكن الخوارج الأولين والمعاصرين والمستقبليين يتوسعون في تكفير المسلمين، فقد كفّر الخوارج السابقين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وهما من المبشرين بالجنة، وكفّروا عدداً كبيراً من الصحابة والمسلمين أيضاً ظلماً وعدواناً بجهلهم وحمقهم.
والخوارج اليوم أيضاً يتوسعون ويتساهلون بالتكفير حتى لا يكاد يبقى مسلم عندهم سواهم، وبتأثير الجهل والحمق والاختراق الاستخباراتي فإن كثيرا من جماعات الخوارج المعاصرة تكفر غالب العلماء المعاصرين لأنهم لم يتبعوهم ويلتحقوا بهم، وردوا عليهم باطلهم، ولأن العلماء هم حائط الصد لضلالهم وكشف عوارهم، فبدأو بتكفيرهم لتخلو لهم الساحة.
ومن أمثلة تلاعبهم وتساهلهم في التكفير إصدار داعش بيانا رسميا بعنوان “يا قومنا أجيبوا داعي الله” قال فيه: “فاحذر فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع بالكفر، من حيث تدري أو لا تدري”، وهذا من التكفير الباطل ومن الحكم بغير ما أنزل الله، فلماذا يكون قتال داعش كفرا، بينما قتال داعش لغيره من جماعات الثوار ليس كفراً؟ ذلك أن “داعش” يرى نفسه المسلم فقط، وبقية الفصائل والجماعات كفارـ، كان هذا موقفه، وكان داعش قبل هذا البيان بأشهر أنكر أنه يكفر من يقاتله، فقال في بيان بعنوان (ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين): “اللهم إنّ أبا عبد الله الشامي زعم .. أن الدولة ترى كل مَن قاتلها قد صار محارباً للإسلام خارجاً عن الملة، وأنها تكفّر باللوازم والمتشابهات والاحتمالات والمآلات” ثم قال نافياً ومتبرئاً: (اللهم إنّي أُشهدك أنّ ما ذكرته آنفاً كذبٌ وافتراء على الدولة، وأنه ليس من منهجها ولا تعتقد به، ولاتتقصّد فعله، بل وتُنكِر على مَن يفعله، اللهم مَن كان منّا كاذباً فاجعل عليه لعنتك وأرِنا فيه آيةً واجعله عبرة، اللهم مَن كان منّا كاذباً فاجعل عليه لعنتك وأرِنا فيه آيةً واجعله عبرة، اللهم مَن كان منّا كاذباً فاجعل عليه لعنتك وأرِنا فيه آيةً واجعله عبرة”، وفعلاً أرانا الله عز وجل في العدناني عبرةً وآية.
وتكفير عموم المسلمين هو قمة الغلو الذي تصل له جماعات الخوارج والغلو والتطرف في عصرنا الحالي، وقال تنظيم داعش في إصداره بعنوان (رسالة إلى تركيا) مكفراً أهل تركيا ومحرضاً لهم على حكومتهم: “ولكن قبل ذلك لا بد أن تتوبوا … حتى يكون قتالكم ضد هؤلاء الصليبيين والملحدين والطواغيت الخائنين جهاداً مباركاً في سبيل الله، وقتلاكم شهداء عند الله، وحتى لا يكون قتالكم قتال جاهلية ملعوناً، وقتلاكم في النار مع قتلى الملحدين والصليبيين”!
فماذا يبقى للإسلام إذا كانت كل الشعوب المسلمة مرتدة وكافرة! وعلماء الإسلام كفارا! والثوار والمجاهدون من غير الخوارج والغلاة كفارا! هل يحلم الشيطان وأعداء الإسلام بشيء أكثر من هذا في تحطيم أمة الإسلام؟
6- بعد تكفير عموم العلماء والمسلمين من الأمة تصبح الطريق سالكة أمام الجهل من جهة والمدسوسين في جماعات العنف والخوارج لاستباحة دماء آلاف الأبرياء، وبأبشع الصور والأشكال، ومَن طالع تاريخ جماعات العنف والتطرف والخروج عاين ذلك بوضوح، وهذه قائمة سريعة ببعض جرائم القتل والإرهاب التي وقعت في دول مختلفة وتجاه أبرياء متنوعين ولكن المجرم واحد وهم حمَلة فكر التطرف والعنف والخوارج!
– في مصر سنة 1977م قامت جماعة المسلمين (جماعة التكفير والهجرة) باختطاف وزير الأوقاف المصري د. محمد حسين الذهبي ومن ثم قتله بإطلاق النار عليه بحيث دخلت الطلقة من عينه اليسرى وخرجت من جمجمته، في وحشية بالغة!
– وفي السعودية سنة 1979م اقتحم جهيمان وأصحابه الحرم المكي وروعوا المصلين والطائفين وقُتل في الحرم المئات بسبب ذلك، ومكة حرم لا ينفر الطير فيه فكيف بقتل المئات!
– ثم توالت عمليات التفجير والاغتيال في مصر بين الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد مع النظام المصري طيلة سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والتي أريقت فيها دماء كثيرة جداً على يد جماعات العنف قصداً أو خطأ وأيضاً أريقت دماء كثيرة في السجون على يد السلطات بسبب تلك العمليات.
– وفي السودان سنة 1994م قام بعض حمَلة فكر الخوارج بتفجير مسجد لأنصار السنة فقتل 20 مصليا!
– وعرفت الجزائر في عقد التسعينيات من القرن الماضي دوامة من القتل والتفجير شارك بها الغلاة والخوارج واستغلها المخترِقون لهذه الجماعات حتى قدر عدد ضحايا هذا العنف والتطرف وبعضه مدسوس بـ 200 ألف ضحية!!
– وفي الصومال لا تزال دماء المئات أو الآلاف أو أكثر تسيل بسبب تنظيم القاعدة وأمثاله في دوامة عبثية لا طائل من ورائها.
– وفي أفغانستان تمت عشرات عمليات الاغتيال والتصفية لرموز الجهاد الأفغاني وقادته من قبل جماعات التطرف والغلو، ومن هؤلاء الرموز: عبد الله عزام، أحمد شاه مسعود، جميل الرحمن.
– وقام تنظيم القاعدة وأمثاله كجماعة الزرقاوي بعدد من التفجيرات في السعودية والأردن والمغرب واليمن قتل فيها عشرات ومئات الأبرياء ظلماً وعدواناً. ومن اللافت للنظر أنه في عام 1428ه/2007م تم قتل العميد ناصر عثمان في مدينة بريدة السعودية وقطع رأسه عن جسده، وذلك قبل ظهور داعش، وبعد 3 سنوات من أول مقطع ذبح للزرقاوي سنة 2004!
– وفي العراق قام تنظيم الزرقاوي بالكثير من الاغتيالات للعلماء والدعاة وبعضهم تم تفجيره في صلاة التراويح داخل المسجد مثل د. خالد الفهداوي والذي قتل معه في التفجير 20 مصليا!
– وواصلت جماعة داعش هذا النهج الدموي فقتلت الكثير من العلماء والدعاة والمجاهدين والثوار في العراق وسوريا، ففي العراق قتلوا الشيخ أبا بكر الجنابي وكان المطلوب الأول في محافظات جنوب العراق للقوات الشيعية والأمريكية وقتلوا الشيخ حمزة العيساوي، مفتي الفلوجة، وفجروا مسجدا في الحبانية وقتلوا إمام المسجد الشيخ محمد المرعاوي وخمسة من المجاهدين وقتلوا وأصابوا ما لا يقل عن 100 آخرين، وقد غرد “أبو عزام” بتويتر مؤخراً بقائمة طويلة ممن قتلتهم داعش بالعراق.
وفي سوريا قتلوا محمد فارس من أحرار الشام وقطعوا رأسه بالسكين، وقتلوا الشيخ أبا سليمان الحموي أمير جند الشام، وعذبوا الطبيب أبا ريان وهو من أحرار الشام، وقتلوا أبا خالد السوري وغيرهم كثير.
وفي هذا الموجز تنبيه للعقلاء على مقدار تورط هؤلاء الخوارج والغلاة في الدماء المعصومة، وأن جرائهم لا تختص ببلد دون آخر أو بجهة محددة، فضحاياهم من العلماء والدعاة والمجاهدين والثوار والعامة والمسلمين وغير المسلمين والصغار والكبار والرجال والنساء، ولا يتورعون عن تفجير المساجد وحتى المسجد الحرام في مكة، وقد شهدنا كيف استهدفوا المسجد النبوي في شهر رمضان الماضي.
7- ونتيجة للسياسة الخرقاء التي تنتهجها جماعات الخوارج والغلو والتطرف بجهلها واختراقها وتوجيهها من الأعداء، فإن النتيجة هي دوما التخريب والدمار والهدم لبلاد الإسلام.
فقد كان تهور القاعدة وعدم التزامهم باتفاقهم وبيعتهم للملا عمر سببا لخراب إمارة طالبان في أفغانستان، وفي الصومال كانوا السبب في بقاء هذه البلاد في حالة انهيار، وفي اليمن لم يقدموا لليمن إلا المبرر للعدوان الدولي عليه ودعم انقلاب الحوثي وتمكينه باستهداف المدن والمؤسسات والقوات التي تناصر الشرعية في اليمن، أو باستهداف المدنيين من أنصار الحوثيين الشيعة لحشد جماهيرهم خلف قيادتهم الانقلابية وجلب الدعم الدولي لهم بأن الحوثيين يحاربون الإرهاب!
وهو الدور المتميز الذي قدمه الدواعش لنظام بشار الأسد والإيرانيين والروس، والذين دكوا آلاف الأبرياء في حلب باسم حرب الدواعش، بينما مناطق الدواعش آمنة وادعة!
إن البنية التحية دُمّرت في بلاد المسلمين بسبب التفجيرات والإرهاب الذي شنته هذه الجماعات، وإدامة حالة الصراع والحروب العبثية، كما أن وجود هذه الجماعات أصبح مبرر عدوان القوى الدولية الكافرة على أمة الإسلام، وأصبح حال هؤلاء الخوارج الغلاة أنهم لا الإسلام نصروا، والكفر كسروا!
8- أيضا بسبب هذا الجهل والاختراق الذي نتج عنه كل هذه الجرائم تضررت الدعوة الإسلامية وضيّق عليها، فبسبب أحداث 11/9 أُغلق كثير من المؤسسات الإسلامية الثقافية والخيرية في ردة فعل ظالمة، حيث تم تبرئة العديد من المؤسسات الإسلامية بعد سنوات طويلة من التحقيقات والمحاكمات، ولكن بعد تضرر آلاف الفقراء والأيتام وإغلاق الكثير من المدارس والمستشفيات.
وبعد ظهور داعش وتوظيفها للإعلام أو توظيفها في الإعلام تم تشويه صورة الإسلام والمسلمين في كثير من أنحاء العالم، فتزايدت حالات الكراهية والاعتداء على المسلمين ومؤسساتهم حيث أحرق العديد من المساجد وقتل بعض المسلمين بلا سبب من المتطرفين غير المسلمين.
وبلغ الغلو والتطرف ضد المسلمين في أوربا حد مطالبتهم بتجاوز تعاليم دينهم الإسلام بترك الحجاب وبيع الخمر والخنزير وتناولهما! باسم الانفتاح والتعايش وتقبل الآخر.
وهذا كله بسبب الغلو والتطرف، وقد أرشدنا الله عز وجل في القرآن الكريم لضرورة الوعي لتجنب ردات الفعل الظالمة من غير المسلمين فقال تعالى: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم” (الأنعام: 108).
9- من صفات جماعات الخوارج والغلو أنهم سريعو الغضب والانشقاق على أنفسهم، وهم بذلك دعاة فرقة لا وحدة، وتخريب وهدم، لا بناء وإعمار.
وهذا ظاهر في مسيرتهم، فقلما تجد لهم شيخاً لم ينقلبوا عليه، ويصل الحال ببعضهم لتخوينه ورميه بالعمالة والكفر والردة، ومن يطالع منابرهم الإعلامية يجد المعارك الضارية بينهم، وهذا منافٍ تماماً للترتيب والنظام اللتذين تستلزمهما وحدة الأمة ومصلحتها، وهؤلاء أبعد الناس عنها بانشطاراتهم وتعصباتهم ولجوئهم للتكفير والسلاح لحسم الخلافات!
10- وختاماً فإن من أسباب محاربة نهج الخوارج والغلاة والتطرف هو الأجر العظيم الذي بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم في محاربة نهج الخوارج والغلاة لأن في ذلك دفاعا عن الدين ونفي ما يلصقه به الغلاة والخوارج من أباطيل.
لأنهم يروجون باطلهم بخطاب براق وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “يقولون من قول خير البرية” متفق عليه، وذلك بالاستشهاد بالقرآن الكريم بشكل غير سليم أو برفعهم شعارات صحيحة توظف لأجندة باطلة، كما كشف ذلك الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين علق على شعار الخوارج (إن الحكم إلا لله) فقال: كلمة حق أريد بها باطل.
وهذا يبين لنا أهمية اتباع فهم السلف من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان من أئمة الدين حتى نتجنب مزالق خطاب الخوارج والغلاة البراق والمخادع.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على مدافعة الخوارج والغلاة دون سائر أهل البدع لأنهم مستمرون بالظهور في مسيرة الأمة المسلمة لقيام الساعة، ولأنهم مخادعون باسم الدين، ولأنهم عون للأعداء بهدم المنجزات وبث الفرقة والشقاق وقتل المخلصين والمؤمنين، ولأنهم يسارعون بتكفير المسلمين وقتلهم، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم من يقاومهم حتى لو وصلت تلك المقاومة والمدافعة للخوارج لحد أن يقتلوه عدواناً أو يقتلهم دفاعاً عن الدين وعن نفسه وأمته، فقال صلى الله عليه وسلم: “طوبى لمن قتلهم أو قتلوه” رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
فهذه 10 أسباب تدعونا لمحاربة نهج الخوارج والغلاة لما فيه من عدوان على الدين والدنيا، ويجب توعية الناشئة به مبكراً حتى نحصنهم من زخارف قول الخوارج والغلاة والتي ملأت وسائل الإعلام وسخرت لها أفضل التقنيات الإخراجية وترافقها الأناشيد الجذابة.
إن فكر الخوارج ونهجهم باطل في ميزان الشرع والعقل، ولكن تركيز الخوارج والغلاة على مخاطبة العواطف والتلاعب بالمشاعر تجاه أوضاع المسلمين السيئة وعدوان المجرمين على حرمات المسلمين وتغول التطرف العلماني في المجتمعات الإسلامية، يجعل نهج الخوارج يكسب الجولة!
ولكن إذا مكن أهل العلم الشرعي الصحيح والفهم السديد للواقع من المواجهة مع نهج الخوارج وتوفرت البيئة المناسبة من ردع مظاهر الفجور وتأديب المعتدين على المقدسات والمساعدة الجادة الممكنة للضعفاء من أمة الإسلام، فإن موجة الغلو والتطرف تتبخر وتزول بأسرع ما يكون، وهو ما سيكون إن شاء الله، طال الوقت أو قصر.
